الجمود الفكري ليس حالة عابرة، بل مرض حضاري متجذر في بنية ثقافتنا.
أسبابه عديدة، لكن من أبرزها التبعية المطلقة للقدماء، حيث جعلنا التراث إطارًا مغلقًا يحكم تفكيرنا.
التراث يجيب بما يخص عصره، لكنه لا يستطيع أن يجيب عن أسئلة واقعنا اليوم. ومع ذلك، ما زلنا نسأل من داخل زمن غير زمننا.
لقد انفصلنا عن الواقع؛ فلا ندرسه دراسة علمية موضوعية، بل نعتمد على نظريات جاهزة، ونستنجد بأجوبة من الماضي أو من الفكر الغربي، وكأننا عاجزون عن إنتاج فكرنا المستقل.
نحن مغتربون عن زماننا ومكاننا:
نسأل من الماضي ونجيب من خارج بيئتنا.
وهذا أخطر أشكال الاغتراب، لأنه يعطل قدرتنا على الإبداع.
المطلوب أن نأتي بإجابات من واقعنا، لا أن نكرر ما قاله الآخرون. علينا أن نستعيد ثقتنا بالعقل، وأن نجعل الفلسفة منهجًا في التفكير.
فالعقل النقدي والتحليلي هو وحده القادر على تجاوز الطائفية والعنصرية والتمييز والصراعات العبثية التي مزقت مجتمعاتنا.
الفلسفة ليست ترفًا فكريًا؛ بل هي نفي للهويات القاتلة، وإحياء للهوية الوطنية الجامعة. هي أداة لإطلاق الفكر من قيود النقل الأعمى، ومنهج لتأسيس رؤية إنسانية تقوم على العقل لا على العصبية.
منذ أفول نجم ابن رشد، عاشت الفلسفة في العالم الإسلامي حالة انتكاسة طويلة.
لم تتحول إلى تيار اجتماعي فاعل، بل بقيت مجرد اجتهادات فردية، يمارسها بعض المفكرين هنا وهناك، دون أن تصبح قوة قادرة على تغيير الواقع.
إن نهضتنا تبدأ عندما نكسر قيود التبعية، ونتحرر من الجمود الفكري، ونضع العقل موضع القيادة. عندها فقط يمكن أن نعيد وصل حاضرنا بمستقبلٍ يستحق أن يُعاش.